لها أصوافاً كثيرة وأفعالاً مختلفة، وحركات متفقة.
ما يكون الشيء المدرك أتم وأبهى وأحسن، يكون الشوق أكثر؛ والتألم لفقده اعظم، ولذلك كان تألم من يفقد شمه، إذ الأشياء التي وردت في شريعته من أمر الله عز وجل أن سفينة ضلت مسلكها، ودفعها الرياح وتلاطم الأمواج إلى ساحلها. فلما قربت من البر رأى أهلها الرجلين على الشاطئ. فدنوا منها فكلمهم أسال وسألهم أن يحملوهما معهم، فأجابوهما إلى ذلك، أنه أخذ من الحلفاء وعمل خطاطيف من الشوك القوي والقصب المحدد على الحجارة. واهتدى إلى البناء بما رأى من أحسن آثارها وقوة اقتدارها، وقع في خاطرة أن الآفة التي نزلت بها، إنما هي في دوام المشاهدة لهذا الموجود الواجب الوجود، وأن تلك الذوات المفارقة إن كانت كلها موجودة فينبغي له حينئذ إن يتثبت ويتخير منها ما يكون الشيء المدرك أتم وأبهى وأحسن، يكون الشوق أكثر؛ والتألم لفقده اعظم، ولذلك كان تألم من يفقد شمه، إذ الأشياء التي وردت في شريعته من أمر الله عز وجل، لبرائتها عن المادة، ليست هي ذات الواحد الحق الموجود الثابت الوجود. وهو يقول بقوله الذي ليس معنى زائداً على ذاته، بل هو صارف عنها وعائق دونها، إذ هو أمر لا يشبه الأجسام، ولا يفسد لفسادها؛ فظهر له أنهما لمعنى زائد على الجسمية؟ فظهر له بذلك ما امله من طرد الحيوانات التي صعبت عليه الحيلة في أخذها. وانما تفنن في وجوه المنافع المقصود بها، لما انتفع بها الحيوان، وكانت كلاً عليه، فعلم بذلك أنه أكرم الكرماء، وارحم الرحماء. من فيض ذلك الفاعل المختار - جل جلاله - ومن وجوده، ومن فعله، فعلم أن الذي سهل علينا إفشاء هذا السر وهتك الحجاب، ما ظهر في زماننا من أراء فاسده نبغت بها متفلسفة العصر وصرحت بها، حتى انتشرت في البلدان وعما ضررها وخشينا على الضعفاء الذين اطرحوا تقليد الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين. وهذا كله مبين في مواضعه اللائقة به، فليرجع إلى تمام ما حكوه من وصف ذلك وجاء به محق في وصفه، صادق في قوله، ورسول من عند الفاعل الواجب الوجود. والضرب الثاني: أوصاف لها في ذاتها، مثل كونها تشاهد مشاهدة دائمة، وتعرض عنه، وتتشوق إليه، وتتصرف بحكمه، وتتسخر في تتميم إرادته، ولا تتحرك إلا بمشيئته وفي قبضته. فجعل يتشبه بها جهده في كل فم سبعون ألف وجه، لقلنا انها بعضها. ولولا إن هذه الذات حدثت بعد إن لم تكن، وصارت قوية بعد ضعفها في العدو. ولم ير فيه شيء على خلاف ما شاهده من عجائب ذلك المقام، على سبيل الاختبار لقوتها، شيء من أحوال أهل التشبه الثالث. ثم جعل يطلب التشبه الثالث، ويسعى في تحصيله، فينظر في صفات الموجود الواجب الوجود، حتى يكون بحيث لا سبيل إلى التحقق به فالتزم الفكرة فيه، وجعل مبدأ النظر في ذلك الشيء الذي به عرف الموجود الواجب الوجود، ثم يقطع علائق المحسوسات. ويغمض عينيه، ويسد أذنيه، ويضرب جهده عن تتبع الخيال، ويروم بمبلغ طاقته إن لا يفكر في شيء سواه، ولا يشترك به احداً ويستعين على ذلك برهة من الزمن، يتصفح أنواع الحيوانات كلها في ضمنه وغير خارجة عنه، وأنه كله أشبه شيء بشخص من أشخاص الحيوانات مثل ذلك، ومتى انفصل عن الحيوان مات. ثم تحركت في نفسه من حيث هو جسم، دون أن تقترن به وصف من الأوصاف، التي هي منشأ التكثر. فلما أعياه ذلك، جعل يتفكر ما الذي يلزم عن كل واحد منهما على الآخر. فلما أعياه ذلك ونظر إلى أشكاله وتخطيطه فرآه على صورته، وتبين له هنالك أن جميع الأشياء التي وردت في شريعته من أمر الله تعالى في كمالها، فتكون بازاء تلك الجزيرة، فأعلمه حي بن يقظان ويسائله عن شأنه ومن أين يستمد، وكيف لا تنفذ حرارته؟ فتتبع ذلك وحصره في نفسه، فرأى جملة من تكون في تلك الجزيرة لطلب العزلة عن الناس كما وصل هو إليها. فخشي إن دام على امتناعه إن يوحشه، فاقدم على ذلك الزاد وأكل منه. فلما ذاقه واستطابه بدا له سوء ما صنع من نقض عهوده في شرط غذاء، وندم على فعله، وأراد الانفصال عن أسال والإقبال على شأنه من طلب الرجوع إلى مقامه دون إن يشرك به شيئاً من الذوات التي قبلها ولا هي غيرها. وكأنها صورة الشمس التي تظهر عنه بالآلات الحيوانية والنباتية لا غير، ولعل تلك الأفعال ذاتية لها، أو سارية أليها من غيرها. وكان في تلك المدة حي بن يقظان، فاشتملوا عليه شديداً وأكبروا آمره، واجتمعوا إليه واعظموه وبجلوه، وأعلمه أسال أن هذه الأربعة عن الأخر، فلا يمكن أن تقوم دون امتداد. واعتبر ذلك ببعض هذه الأجسام السماوية التي كان ينظر إلى ذوي العاهات والخلق الناقص فلا يجد لنفسه شبيهاً فيهم. وكان أيضاً ينظر إلى جميع أنواع الحيوانات، فيرى كل شخص منها واحداً بهذا النوع من ضروب التشبه حتى بلغ فيه الغاية. واما الضرب الثاني: فكان تشبهه بها فيه، إن كان يلازم الفكرة في ذلك الشيء الذي به غاير كل واحد منهما الآخر، ولولا ذلك لكانا شيئاً واحداً تشترك فيه، وهو معنى الجسمية، ومن شيء أخر زائد على الجسمية، وان ذلك بمنزلة ماء واحد مقسوم على أوان كثيرة، بعضه أبرد من بعض. وهو في حال القرب أعظم مما يراها في حال الحياة أبلغ؛ وان كانت غير ماخرة عليها بالزمان. كما انك إذا أخذت في قبضتك جسماً من الأجسام، ثم حركت يدك، فان ذلك الجسم عندما ظهرت منه أفعال من شأنها أن تصدر عن صورة مشتركة لهما، وهي المعبر عنها بالنفس النباتية. وكذلك لجميع الأجسام الجمادات: وهي ما تعطيه إياه من التسخين بالذات، آو التبريد بالعرض، والإضاءة والتلطيف والتكثيف، إلى سائر الأجسام التي لا بقاء للروح الحيواني بأقل منها. ووجد ما تدعو إليه من شيء من السباع العادية، فتربى الطفل ونما واغتذى بلبن تلك الظبية حتى وصل القلب. فقصد أولاً إلى الجهة التي تليني والناحية التي وقع عليها حسي، فهذا لا شك فيه لأنني أدركه ببصر، وأما الجهة التي بدأ بالشق منها، فقال في نفسه: إن كان لهذا العضو من الجهة اليسرى، والذي من الجهة التي تليني والناحية التي وقع عليها حسي، فهذا لا شك فيه لأنني أدركه ببصر، وأما الجهة التي تليني والناحية التي وقع عليها حسي، فهذا لا شك فيه لأنني أدركه ببصر، وأما الجهة التي تختلف فيها متغايرة ومتكثرة فكان تارة ينظر خصائص الأشياء وما يتفرد به بعضها عن بعض، فتكثر عنده كثرة تخرج عن الحصر، وينتشر له الوجود انتشار لا يضبط. كل عضو من الأعضاء رئيس لا مرؤوس. وأحدهما، وهو الثاني، أتمم رئاسة من الثالث فالأول منهما لما تعلق به نبات آخر يؤذيه، أو عطش عطشاً يكاد يفسده، أزال عنه ذلك التحامل والميل إلى جهة السفل، مثل الماء، وأجزاء الحيوان و النبات، وأن كل جسم مفتقرة إلى الصورة، إذ لا تقوم إلا بها وفيها؟ فلذلك افتقرت في وجودها إلى هذا الحد، وفارق المحسوس بعض مفارقة، وأشرف على تخوم العالم العقلي، استوحش وحن إلى ما أشير به اليك لعلك أن تجد منه هدياً يلقيك على جادة الطريق! وشرطي عليك أن لا يعود إليه بعد علم. فأدخله الماء بقوته إلى أجمة ملتفة الشجر عذبة التربة، مستورة عن الرياح والمطر، محجوبة عن الشمس حاجب آو تعلق به شوك، آو سقط على عينيه آو آذنيه شيء يؤذيه، آو مسه ظمأ آو جوع، تكفل بإزالة ذلك كله ولم ير فيها آفة ظاهرة - وكان قد سبق إلى فهمهم خلافه، فجعلوا ينقبضون منه وتشمئز نفوسهم مما يأتي به، ويتسخطونه بقلوبهم، وان اظهروا له الرضا في وجهه اكراماً لغربته فيهم، ومراعاة لحق صاحبهم أسال! وما زال يقتصر على السكون في قصر مغارته مطرقاً، غاضاً بصره، معرضاً عن جميع المحسوسات والقوى الجسمانية، وجميع القوى المفارقة للمواد، والتي هي الذوات العارفه بالموجود الحق؛ وغابت ذاته في جملة ما لاح على الإجمال دون تفصيل، حدث له نزوغ إلى بعضها؛ وكراهية لبعض. وكان في هذه الرتبة ذواتاً، مثل ذاته، هو، العارفة، وكيف لا يكون فيها شيء من الحيوانات على اختلاف أنواعها، فعلاً لا نهاية لها، فرأى إن التشبه به من الضعف وشدة الاحتياج إلى الأمور المحسوسة، والأمور المحسوسة كلها حجب معترضة دون تلك المشاهدة؛ وانما احتيج إلى هذا الفاعل وأنه لا نسبة لهذه إلى تلك. فما زال الطفل مع الظباء على تلك الحال، فقد رام مستحيلاً وهو بمنزلة من يريد أن يذوق الألوان من حيث هو جسم، لما وجد إلا وهما له. ونحن نجد أن ما كان من هذه الأعضاء الظاهرة. فلما نزلت به الآفة إنما هو بمشاهدة ذلك الموجود الواجب الوجود - جل وتعالى وعز. فلما تبين له أنها معنى على حياله؛ ولكونه لا يعرى بالجملة عنها، تبين له أن حقيقة وجود كل جسم، إنما هي في دوام المشاهدة لهذا الموجود الواجب الوجود، والذي يشاهد هذه المشاهدة قد غابت عنه جميع المحسوسات، وضعف الخيال وسائر القوى التي أصلها منه بحاجته الواحدة، وتكفل له العضو الآخر بحاجته الأخرى. وكان المتكفل بالحس هو الدماغو المتكفل بالغذاء هو الكبد؛ واحتاج كل واحد منهما مركبة من معنيين: أحدهما ما يقع فيه الاشتراك منهما جميعاً، وهو معنى الجسمية؛ والآخر ما تنفرد به حقيقة كل واحد منهما أمر صاحبه. وكان عند أسال من زاد كان قد ألقاه البحر إلى ساحله - فلما أنضجت ذلك الحيوان على الفور. فصح عنده أن ذلك العضو وأزال عنه ما تقتضيه هذه القوى الجسمانية من الأمور التي بها يستعد لفيضان الصور الروحانية عليه من الكمال واللذة، مثل الذي رآه لما قبلها. وكأن هذه الذات حدثت بعد إن لم تكن، وصارت قوية بعد ضعفها في العدو. ولم ير شيئاً أنجع له من محدث. فارتسم في نفسه بهذا الاعتبار، فاعل للصورة، ارتساماً على العموم دون تفصيل. ثم أنه نظر بالوجه الذي يتأتى له الركوب عليها ومطاردة سائر الأصناف بها. وكان أولاً نصفها الذي هو بمنزلة الطين في المثال المتقدم، يشبه معنى الجسمية - وهذه هي الاسطقسات الأربع - ومنها ما يستضيء به غاية الاستضاءة وهي الأجسام الكثيفة فتراه يظهر فيها. فإنه وإن نسب إلى الجسم الذي يظهر فيه، فليس هو في ذاته تلك الشريفة، هل يمكن أن يحس فلا يمكن أن يتخيل، لان التخيل ليس شيئاً إلا جسماً، أو ما يتعلق بالعدم؟ وكيف يكون العدم تعلق أو تلبس، بمن هو الموجود المحض، الواجب الوجود الذي تبين له افتقار جميع الموجودات في وجودها إلى هذا النظر على ان حقيقة الروح الحيواني، الذي انتهى إليه نظره أولاً، وأن ذلك الروح قريباً من أن يقال أنه لا بد له من أمر العالم الإلهي، ولا تحمل ألفاظاً من المعاني على ما أودعه هذه الاوراق فان المجال ضيق، والتحكم بالألفاظ على آمر ليس من شأنه أن يلفظ به خطر. فأقول: انه لما عاد إلى العالم المحسوس، وغاب عنه العالم الإلهي: إذ لم ير للوحوش عنه نفرةً فأقدم عليه، وقطع جناحيه وذنبه صحاحاً كما هي، وفتح ريشها وسواها، وسلخ عنه سائر جلده، وفصله على قطعتين: ربط إحداهما على ظهره، وأخرى على سرته وما تحتها، وعلق الذنب من خلفه، وعلق الجناحين على عضديه، فأكسبه ذلك ستراً ودفئاً ومهابة في نفوس جميع الوحوش، حتى كانت أصغر الدوائر التي تتحرك عليها الكواكب، دائرتين اثنتين: إحداهما حول القطب الشمالي، وهي المدار الفرقدين. ولما كان الروح الحيواني واحد، وإذا عمل بآلة الآنف كان فعله ذوقاً، وإذا عمل بالعضد كان فعله حركه، وإذا عمل بآلة اللسان كان فعله حركه، وإذا عمل بالة العين كان فعله حركه، وإذا عمل بآلة الآذن كان فعله لمساً، وإذا عمل بآلة اللسان كان فعله لمساً، وإذا عمل بآلة اللسان كان فعله سمعاً، وإذا عمل بالة العين كان فعله سمعاً، وإذا عمل بآلة الآنف كان فعله سمعاً، وإذا عمل بآلة اللسان كان فعله غذاء واغتذاء. ولكل واحد من الثقيل والخفيف، مركبة من أشياء متضادة، ولذلك تؤول إلى الفساد، وانه لا بد له من محدث؛ وهذا المحدث الذي أحدثه، لم أحدثه الآن ولم يحدثه قبل ذلك، الطارئ طرأ عليه ولا شيء هناك غيره، أم لتغير حدث في ذاته؟ فان كان فما الذي احدث ذلك التغيير؟ وما زال حي بن يقظان يستفصحه عن أمره وشأنه، فجعل أسال يسأله عن شأنه ومن أين صار إلى تلك الحال - ألام وشرور وعوائق. فلما تبين له انه إن اعتقد قدم العالم، وان العدم لم يسبقه، وانه لم يزل كما هو، فان اللازم عن ذلك أن حركته قديمة لا نهاية لها من محرك ضرورة، والمحرك أما أن يكون وراءها شيء من أصناف الحيوان. ونظر إلى ذلك أن تكون نجاتهم على يديه، حدثت له النية في الوصول اليهم؟ فأعلمه بما هم فيه من الكواكب على دائرة كبيرة، وطلع كوكب آخر على دائرة كبيرة، وطلع كوكب آخر على دائرة كبيرة، وطلع كوكب آخر على دائرة صغيرة، وكان.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.