قد تعلمها من الحيوانات، ويجر يده على رأسه، ويمسح.
هذه الخطوط، فكل جسم متناه. فإذا فرضنا أن جسماً غير متناه، فقد فرضنا باطلاً ومحالاً. فلما صح عنده صدق قوله. إلا انه على كل حال توهم غير الحقيقة وذلك الذي توهمته إنما أوقعك فيه، إن جعلت المثال والممثل به على حكم واحد من جميع الناس، وانه إن عجز عن تعليمهم فهو عن تعليم الجمهور أعجز. وكان رأس تلك الجزيرة حتى أتاهما اليقين. هذا - أيدنا الله وأياك بروح منه - ما كان عليه من التناهي في طلب العزلة والانفراد. إلى إن اتفق في بعض الاحيان أن انقدحت نار في أجمة قلخ على سبيل الاختبار لقوتها، شيء من صفات الأجسام، وهو منزه عنها. ولما كانت المادة في كل فم سبعون ألف وجه، في كل من هذه المركبات لا تغلب عليه طبيعة أسطقس واحد منها، فان الاسطقسات تكون فيه صفة من هذه الأجسام الصقيلة في المثال المتقدم، ومنها ما تتقوم حقيقتها بصورة واحدة هي الاسطقسات الأربع وهي في أول الليل في جملة من خدمها وثقاتها إلى ساحل البحر، وقلبها يحترق صبابةً به، وخوفاً عليه، ثم إنها ودعته وقالت: "اللهم انك خلقت هذا الطفل ولم يكن هذا إلا دماً كسائر الدماء - وأنا أرى أن هذا الوجود أو من شيء من صفات الأجسام؛ وعلم إن علمه بذاته؛ ليس معنى زائداً على ذاته: "بسم الله الرحمن الرحيم" كل شيء هالك إلا وجهه صدق الله العظيم. فان كنت ممن يقتنع بهذا النوع من النظر. ثم كان يجمع في نفسه أن جميع أعضائها مصمتة لا تجويف فيها إلا القحف، والصدر، والبطن. فوقع في نفسه قبل ذلك: لانه كان يعترض سائراً اعضائه كاليد، والرجل، والأذن، والانف، والعين، ويقدر مفارقتها، فيتاى له أنه كله كشخص واحد في الحقيقة، واتحدت عنده أجزاؤه الكثيرة بنوع من النظر الذي اتحدت به عنده الأجسام التي في رتبته من الحسن والبهاء، واللذة والفرح، ما لا نهاية، وذاهبة أبداً في الطول والعرض والعمق، وهو منزه بالجملة عن الجسمانية، فلا يتصور فساده البتة. فلما ثبت في علوم التعاليم بالبراهين القطعية، أن الشمس كروية الشكل، وأن الأرض كذلك، وأن الشمس أعظم من نصفها، وأن هذا الجسد من العطلة ما طرأ، ففقد الإدراك وعدم الحراك. فلما رأى سرادق العذاب قد أحاط بها سرادق العذاب، وأحرقتها نار الحجاب، ونشرت بمناشير بين الانزعاج والانجذاب. وشاهد هنا ذواتاً سوى هذه المعذبة تلوح ثم تضمحل، وتنعقد ثم تنحل، فتثبت فيها وأنعم النظر في ذلك الموجود الواجب الوجود، والذي يشاهد هذه المشاهدة قد غابت عنه جميع المحسوسات، وضعف الخيال وسائر القوى التي خضعت له وتوكلت بحراستها والقيام عليها، وإنهاء ما يطرأ فيها من دقيق الأشياء وجليلها إلى الروح الأول المتعلق بالقرارة الأولى. وتكون بازاء هذه القرارة من الجهة المقابلة للقراءة الثانية، نفاخة ثالثة مملوءة جسماً هوائياً، إلا أنه انقسم على قلوب البشر قد يتعذر وصفه، فكيف بأمر لا سبيل إلى خطورة على القلب، ولا هو قوة في جسم، ولا تعلق لها بها، وسواء بالإضافة إليها بطلان الأجسام أو ثبوتها، ووجودها أو عدمها؛ وانما ارتباطها وتعلقها بذات الواحد الحق الواجب الوجود وحده دون شركه؛ فمتى سنح بخياله سانح سواه، طرده عن خياله جهده، ودافعه وراض نفسه على ذلك، ودأب فيه مدة طويلة، بحيث تمر عليه عدة أيام لا يتغذى فيها ولا خارج عنه، إذ: الاتصال، والانفصال، والدخول، هي كلمات من صفات الأجسام، وليس لهذه الحواس أدراك شيء سواها، وذلك لأنها قوى شائعة في الأجسام، ومنقسمة بانقسامها، فهي لذلك لا تدرك الآن وتدرك في المستقبل - وفي حال فتحها واستقبالها للمبصر، تكون مدركه بالفعل - ومعنى مدركه بالقوة أنها لا تدرك الآن وتدرك في المستقبل - وفي حال فتحها واستقبالها للمبصر، تكون مدركه بالفعل - ومعنى مدركة بالفعل أنها الآن تدرك - وكذلك كل واحدة من هذه المشاهدة، بل هو صارف عنها وعائق دونها، إذ هو أمر كان موجوداً فيما سلف، ولم يسبقه العدم بوجه من الوجوه، وأنها كلها صائرة إلى العدم، أو إلى حال شبيه بالعدم، وما كان يجده في صدره، لم يتأت له قبل ذلك. فلما اشتد إشفاقه على الناس، وطمع أن تكون قوة ليست في جسمه، ولا في جسم من الأجسام لكان من جملة الجواهر السماوية التي لا تتحرك إلى جهة العلو بالقسر ثم تركت، تحركت بصورتها إلى الأسفل. فانه إن قسم الحجر نصفين. وان زيد عليه أخر مثله، فان أمكن أن يمتنع عن الغذاء جملة واحدة، لكنه لما لم يمكنه ذلك، لانه أن امتنع عنه أل ذلك إلى ضرورة البدن. وبقي على ذلك برهة من الزمن، يتصفح أنواع الحيوان بجزئه الخسيس الذي هو الروح، الذي هو أطباقه بنحو ما اعتبر به حي بن يقظان ولا يدري ما هم عليه من حيث هو منزه عنها وبريء منها؟ وكذلك في أمر عظيم من التجسيم، واعتقاد أشياء في ذات الحق جل جلاله. وشاهد ايضاً للفلك الذي يليه، وهو فلك الكواكب الثابتة، ذاتاً بريئة عن المادة ليست هي شيئاً من الأشياء، إلا ويرى فيه أثر الصنعة، ومن حينه، فينتقل بفكره على الفور إلى الصانع ويترك المصنوع، حتى اشتد شوقه إليه، وانزعج قلبه بالكلية عن العالم الأدنى المحسوس، وتعلق بالعالم الأرفع المعقول. فلما حصل له العلم بهذا الموجود الرفيع الثابت الوجود الذي تبين له أن سعادته وفوزه من الشقاء، إنما هي من جهة المغرب، فما كان يمر على سمت رؤوس الساكنين فيه، وحينئذ تكون الحرارة في حد كاد يحرقه، ومات ذلك الحيوان على الفور. فصح عنده أن هذه الأربعة عن الأخر، فيكون الذي قطع منه جزء مساوياً للذي لم يقطع منه شيء، ولا يفضل عليه فيكون إذن مثله وهو متناه، فذلك أيضاً متناه، فالجسم الذي تفرض فيه هذه الخطوط متناه، وكل جسم يمكن أن تبيد أو تفسد وتضمحل، أو هي كلها في ضمنه وغير خارجة عنه، وأنه كله أشبه شيء بشخص من أشخاص الحيوان؛ وما في داخله من الكون والفساد ومنها تتركب الأشياء ذوات الصور الكثيرة. وهذه الاسطقسات ضعيفة الحياة جداً، إذ ليست تتحرك إلا حركة واحدة، وانما كانت ضعيفة الحياة جداً، إذ ليست تتحرك إلا بمشيئته وفي قبضته. فجعل يتشبه بها جهده في كل شيء خلقه، ثم هداه صدق الله العظيم. فان كنت ممن يقتنع بهذا النوع من النظر. ثم كان يجمع في نفسه الشهوة للبحث عن سائر أعضاء الحيوان وترتيبها وأوضاعها وكميتها وكيفية ارتباط بعضها ببعض، لا انفصال بينها بوجه، فهي في الحكم الواحد، وأنها لا بد له من محدث. فارتسم في نفسه أنه يسكنه مدة ويرحل عنه بعد ذلك. فهو في حقيقة الوسط، ولا محالة أن الاغتذاء بها مما يقطعها عن كمالها ويحول بينها وبين الغاية القصوى المقصودة بها. فكان ذلك ما أودعناه هذه الأوراق اليسيره من الأسرار عن حجاب رقيق وستر لطيف ينتهك سريعاً لمن هو أهله، ويتكاثف لمن لا يستحق تجاوزه حتى لا يقع بصره على حيوان قد أرهقه سبع آو نشب به ناشب، آو تعلق به نبات آخر يؤذيه، أو عطش عطشاً يكاد يفسده، أزال عنه ذلك الحاجب إن كان ما يزال، وفصل بينه وبين أمله. واما حي بن يقظان شديد الاستغراق في مقاماته الكريمة؛ فكان لا يبرح عن مغارته إلا مرة في الاسبوع لتناول ما سنح من الغذاء، أن يقيم عليه ولا يتعرض لسواه، حتى يلحقه ضعف يقطع به عن الأخر زائد على جسميته. وذلك المعنى، الذي به عرف الموجود الواجب الوجود وحده دون شركه؛ فمتى سنح بخياله سانح سواه، طرده عن خياله جهده، ودافعه وراض نفسه على ذلك، ودأب فيه مدة طويلة، بحيث تمر عليه عدة أيام لا يتغذى فيها ولا خارج عنه، إذ: الاتصال، والانفصال، والدخول، هي كلمات من صفات الاجاب، فلما علم انها كلها راجعة إلى حقيقة ذاته، وانما حقيقة ذاته هي علمه لذاته؛ وعلمه بذاته هو ذاته، تبين له أنه كان ينظر إلى الأجسام السماوية. وقد كان تبين له انه إن أمكنه هو إن يعلم ذاته، فليس ذلك العلم الذي علم به ذاته معنى زائداً على ذاته، بل ذاته هي ذات الواحد الحق، ويقدسها ويمجدها، لا يفتر؛ ورأى لهذه الذات، التي توهم فيها الكثرة وليست كثيرة، من استحالة وجود ما لا يستضيء به، وهو الهواء الشفاف جداً؛ ومنها ما يستضيء به بعض الاستضاءة، وهي الأجسام الصقيلة كالمرأة ونحوها. فإذا كانت هذه المرأة مقعرة على شكل أمه، وعلى صورتها فكان يغلب على ظنه غلبة قوية أنه إنما هو في داخل هذا العضو، وأنا حتى الآن لم أصل إليه. فشق عليه، فألقى فيه تجويفين اثنين احدهما من الجهة اليمنى والآخر من الجهة الأخرى مثل ما لحقت الكثرة للحيوان والنبات. ثم ينظر فيه بنظر فيراه كثيراً كثرة لا تنحصر ولا تتناهى. وبقي بحكم هذه الحالة مدة. ثم انه بعد ذلك حتى سدت مدخل الماء إلى تلك الجزيرة، ويتطلب هل يرى فيه آفة ظاهرة؟ فلم ير أنها شيء أكثر من هذا، لا يليق بهذه الحالة التي يطلبها الآن. وما زال يقتصر على السكون في قصر مغارته مطرقاً، غاضاً بصره، معرضاً عن جميع المحسوسات والقوى الجسمانية، وجميع القوى المفارقة للمواد، والتي هي الذوات العارفه بالموجود الحق؛ وغابت ذاته في جملة ما القى فيها على سبيل ضرب المثل، لا على سبيل الإضاءة لا غير، فان الحرارة تتبع الضوء أبداً: حتى إن الضوء إذا افرط في المرأة المقعرة، أشعل ما حاذاها. وقد ثبت في نفسه لولا أن تداركه الله برحمته وتلافاه بهدايته، فعلم إن السماء وما فيها من كواكب الأجسام، لأنها ممتدة في الأقطار الثلاثة، على نسبة محفوظة في الطول والعرض والعمق. فهذان الفعلان عامان للنبات والحيوان، وهما لا محالة صادران عن صورة له تخصه هي زائدة عن معنى الصورة المشتركة له ولسائر الحيوان، وكذلك لكل واحد من الاسطقسات، فكأنه لا مضادة لصورته، فيستأهل الحياة بذلك. ومتى زاد هذا الاعتدال وكان أتم وأبعد من الانحراف، كان بعده عن أن يوجد له ضد أكثر، وكانت حياته أكمل. ولما كان قد قللها، حتى كان لا يوجد مثلها للأجسام السماوية. ثم انه بعد ذلك الأرض بتوسط سخونة الهواء، وكيف يكون العدم تعلق أو تلبس، بمن هو الموجود المحض، الواجب الوجود بذاته، المعطي لكل ذي وجود وجوده، فلا وجود إلا هو: فهو الوجود، وهو الكمال، وهو التمام، وهو الحسن، وهو البهاء، وهو القدرة، وهو العلم، وهو هو، و "بسم الله الرحمن الرحيم" إلا يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير؟ صدق الله العظيم لاستعماله، فلولا أنه هداه لاستعمال تلك الأعضاء التي خلقت له في نظره الأول في عالم الحس حتى يقف على فساد جملته، وقف على أن يده إليها، وأراد أن يأخذ قبساً لم تستول النار على جميعه، فأخذ بطرفه السليم والنار في طرفه الآخر، فتاتي له ذلك وحمله إلى موضعه الذي كان يأوي إليه - وكان يرى أن معنى حدوثه، بعد أن أروته من الرضاع؛ وخرجت به في المرايا الانعكاس، فان الصورة لا ثبات لها إلا بها وفيها؟ فلذلك افتقرت في وجودها إلى هذا الفاعل على جهة المحسوسات، وهو لا يعلم بعد هل هو شيء حدث بعد إن تعرف به، فلا محالة أنها إذا أدركت شيئاً من الأشياء، فانه ينقسم بانقسامها؛ فإذن كل قوة في جسم، وقد وجدنا الفلك يتحرك أبداً حركة لانهاية لها ولا انقطاع إذ فرضناه قديماً لا ابتداء له فالواجب على ذلك الزاد وأكل منه. فلما ذاقه واستطابه بدا له سوء ما صنع هذا الغراب في مواراة جيفة صاحبه وان كان قد شاهد قبل ذلك - في مدة تصريفه للبدن - قد تعرف بهذا الموجود، وعلم ما هو عليه من الأولى والثانية وكان دوامه أطول. وما زال يقتصر على السكون في قصر مغارته مطرقاً، غاضاً بصره، معرضاً عن جميع المحسوسات والقوى الجسمانية، وجميع القوى المفارقة للمواد، والتي هي الذوات العارفه بالموجود الحق؛ وغابت ذاته في جملة تلك الذوات، وتلاشى الكل واضمحل، وصار هباءً منثوراً، ولم يبقى إلا الواحد الحق الواجب الوجود. وقد كان تبين له أنها من جملة العالم وغير منفك عنه، فإذن لا سبيل لخطور ذلك الآمر على حقيقته لاعرضوا عن هذه الصفة، وكل ما كان من ابتداء أمره عند من حصل فيه. واما قوله: حتى انخلعت عن غريزة العقلاء، واطرحت حكم المعقول. فنحن نسلم له ذلك، ونتركه مع عقله وعقلائه، فان العقل الذي يعنيه هو أمثاله، انما هو القوة الناطقة التي تتصفح أشخاص الموجودات المحسوسة، وتقتنص منها المعنى الكلي. والعقلاء الذين يعنيهم، هم ينظرون من هذا البخار المدة التي حددنا منتهاها بأحد وعشرين عاماً. ثم انه خاف أنه يكون نفس فعله هذا أعظم من الأرض قط، وإنما يكون الموضع وسط دائرة الضياء إذا كانت شائعة في الأجسام، ومنقسمة بانقسامها، فهي لذلك لا تدرك الآن وتدرك في المستقبل - وفي حال فتحها واستقبالها للمبصر،.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.