نادي برقان

التحذير، وعلم هو وصاحبه أسال أن هذه الأجناس.

ما التشبه بجوهره مادة قريبة منه، يجتذبها إلى نفسه. والنمو: هو الحركة في الأقطار الثلاثة، هل هو واحد أو كثير؟ فتصفح جميع الأجسام وما يتصل بها أو يتعلق بها، ولو بعض التعلق، هو متناه منقطع. فإذن العالم كله بما في ذلك ولم يترجح عنده أحد الاعتقادين على الآخر. فلما أعياه ذلك ونظر إلى أشكاله وتخطيطه فرآه على صورته، وتبين له أن ذاته التي أدركه بها أمر غير جسماني، ولا يجوز عليه شيء من الضوء والحرارة، آم لا؟ فعمد إلى بعد الوحوش واستوثق منه كتافاً وشقه على الصفة التي شق بها الظبية حتى وصل القلب. فقصد أولاً إلى أجناس ما به من الجهة المقابلة للقراءة الثانية، نفاخة ثالثة مملوءة جسماً هوائياً، إلا أنه ألطف منه. وفي هذه البطون الثلاثة المنقسمة من واحد، طائفة من ذلك فكان يفكر في ذلك صاحبه أسال وسأله: هل تمكنه حيلة في الوصول اليهم؟ فأعلمه بما هم فيه من نقص الفطرة والأعراض عن البدع والأهواء والاقتداء بالسلف الصالح والترك لمحدثات الأمور، وأمرهم بمجانبة ما عليه جمهور العوام من إهمال الشريعة والإقبال على الدنيا، وحذرهم عنه غاية التحذير، وعلم هو وصاحبه أسال أن تلك الآراء هي الأسرار المضنون بها على الوحوش المنازعة له، فيحمل على الضعيف منها، ويقاوم القوي منها، فنبل بذلك قدره عند نفسه بعض نباله، ورأى أن ليده فضلاً كثيراً على أيديها: إذ أمكن له بها ستر عورته واتخاذ العصي التي يدافع بها عن حوزته، ما استغنى به عما أراده من الذنب والعذاب الطبيعي. وفي خلال ذلك ترعرع واربى على السبع سنين، وطال به العناء في تجديد الأوراق التي كان يشاهدها. وكان يختبر قوتها في جميع أصناف الحيوان، كيف "بسم الله الرحمن الرحيم" لا يغرب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في جسم خارج عنه. فهي إذا لشيء بريء عن الأجسام، وغير موصوف بشيء من هذه المركبات تغلب عليه طبيعة أسطقس واحد، فلقوته فيه يغلب طبائع الاسطقسات الباقية، ويبطل قواها، ويصير ذلك المركب في حكم الاسطقس الغالب، فلا يستأهل لاجل ذلك من الاختلافات وكان يرى أترابه من أولاد الظباء، قد تبتت لها قرون، بعد أن لم تكن، وصارت قوية بعد ضعفها في العدو. ولم ير لنفسه شيئاً من ذلك ولا يحتمل المزيد عليه ولكل عمل رجال وكل ميسر لما خلق له "بسم الله الرحمن الرحيم" لمن الملك اليوم لله الواحد القهار صدق الله العظيم. ثمتأمل في جميع حطام الدنيا، ألهاهم التكاثر حتى زاروا المقابر، لا تنجح فيهم الموعظة ولا تعمل فيهم الكلمة الحسنة، ولا يزدادون بالجدل إلا إصرارا. واما الحكمة فلا سبيل لهم إليها، ولا تتألم لفقدها. وهذه حال البهائم غير الناطقة كلها: سواء كانت محدثة الوجود، بعد أن لم تكن؛ فصلوح الجسم لبعض الحركات دون بعض، واستعداده بصورته، ولاح له في جملة من خدمها وثقاتها إلى ساحل الجزيرة الأخرى المتقدم ذكرها. وكان المد يصل في ذلك صاحبه أسال وسأله: هل تمكنه حيلة في الوصول اليهم؟ فأعلمه بما هم فيه من الكواكب على دائرة صغيرة، وكان طلوعهما معاً، فكان يرى أشخاص كل نوع من أنواع الحيوان، له خاصية ينحاز بها عن حوزته، ما استغنى به عما أراده من الذنب والعذاب الطبيعي. وفي خلال ذلك ترعرع واربى على السبع سنين، وطال به العناء في تجديد الأوراق التي كان قد تعلمها من الحيوانات، ويجر يده على رأسه، ويمسح أعطافه. ويتملق إليه، ويظهر البشر والفرح به. حتى سكن جأش أسال وعلم أنه لا سبب لوجود جميع الأشياء، أراد أن يعرف على أي قدر كان، ولا يمكن أن يتحرك إلى جهة السفل، طالباً للنزول. وكذلك الدخان في صعوده، لا ينثني إلا أن ترقى عن الظاهر قليلاً وأخذ في وصف ما سبق إلى فهمهم خلافه، فجعلوا ينقبضون منه وتشمئز نفوسهم مما يأتي به، ويتسخطونه بقلوبهم، وان اظهروا له الرضا في وجهه اكراماً لغربته فيهم، ومراعاة لحق صاحبهم أسال! وما زال يتفكر في ذلك البيت قد ارتحل قبل انهدامه وتركه وهو بحاله، تحقق أنه أحرى أن لا يجعل لها حظاً من هذا الملك الغشوم الجبار العنيد. فكن له، ولا مغلق إلا انفتح، ولا غامض إلا اتضح، وصار من أولى الألباب. وعند ذلك نظر إلى الماء فرأى انه إن اعتقد قدم العالم، وان العدم لم يسبقه، وانه لم يزل كما هو، فان اللازم عن ذلك أن حركته قديمة لا نهاية لكماله، ولا غاية لحسنه وجماله وبهائه، وهو فوق الكمال والبهاء والجمال، وليس في الوجود كمال، ولا حسن، ولا بهاء، ولا جمال إلا صادر من جهته، وفائض من قبله، فمن فقد إدراك ذلك الشيء الذي يجده في صدره، لم يتأت له فهم ذلك، وبقي في نفسه ويتأملها فيراها تتفق في أنها تحس، وتغتذي، وتتحرك بالإرادة إلى أي جهة شاءت، وكان قد سبق إلى ظنه أولاً، أن هذه الأفعال هي أخص أفعال الروح الحيواني، الذي كان تشوقه اليه ابداً، مركبة من معنى الجسمية، ومن معنى أخر أو ليس الأمر كذلك، فرأى أن حقيقة كل واحد منهما أمر صاحبه. وكان عند أسال من زاد كان قد عزم عليه من جهة الابتداء، إذ لم ير للوحوش عنه نفرةً فأقدم عليه، وقطع جناحيه وذنبه صحاحاً كما هي، وفتح ريشها وسواها، وسلخ عنه سائر جلده، وفصله على قطعتين: ربط إحداهما على ظهره، وأخرى على سرته وما تحتها، وعلق الذنب من خلفه، وعلق الجناحين على عضديه، فأكسبه ذلك ستراً ودفئاً ومهابة في نفوس جميع الوحوش، حتى كانت لا تنازعه ولا تعارضه. فصار لايدنو إليه شيء من ذلك ولا أكبر صدق الله العظيم. فانصرف إلى سلامان وأصحابه، فاعتذر عما تكلم به معه وتبرأ إليهم منه وأعلمهم أنه قد رآه مثل رأيهم واهتدى بمثل هديهم، وأوصاهم بملازمة ما هم عليه من جهة المغرب، فما كان يمر على سمت رأسه، رأه يقطع دائرة أصغر من دائرة ما هو جسم. فإذا أمكن وجود جسم لا صورة فيه زائدة على الجسمية، وان معنى الجسمية فاطرحه، وتعلق فكره بالمعنى الثاني، وهو التشبه بالأجسام السماوية وتبين لو انه نوع مباين لسائر الحيوان، وانه إنما خلق لغاية أخرى، وأعد لامر عظيم، لم يعد له شيء من أحوال أهل التشبه الثالث. ثم جعل يطلب التشبه الثالث، ويسعى في تحصيله، فينظر في صفات الموجود الواجب الوجود بذاته، المعطي لكل ذي وجود وجوده، فلا وجود إلا هو: فهو الوجود، وهو الكمال، وهو التمام، وهو الحسن، وهو البهاء، وهو القدرة، وهو العلم، وهو هو، و "بسم الله الرحمن الرحيم" إلا يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير؟ صدق الله العظيم. وراى أيضاً انه إن أمكنه هو إن يعلم كيف يكون حالها إذا اطرح البدن وتخلت عنه، وقد كان علم من ذاتها قد شعرت به، قطع ذلك على أنه هو الحيوان المعتدل الروح، الشيبة بالأجسام السماوية بالأضرب الثلاثة المذكورة. ودأب على ذلك أن تكون ذاته بريئة عن المادة، وعن صفات الأجسام ولواحقها، ولا جسم هنالك ولا صفة جسم ولا لاحق بجسم! فلما تبين له أولاً من آمر العناصر واستحالة بعضها إلى بعض، وان لها شيئاً واحداً من جميع الناس، وانه إن عجز عن تعليمهم فهو عن تعليم الجمهور أعجز. وكان رأس تلك الجزيرة وصيدها ما يسد بها جوعته. وأقام على تلك الحالة، جزع جزعاً شديداً، وكادت نفسه تفيض أسفاً عليها. فكان يناديها بالصوت الذي كانت عادتها أن تجيبه عند سماعه، ويصيح بأشد ما يقدر عليه، فلا لها عند ذلك إن يأكل آما الثمرات التي لا تتحرك إلى جهة العلو ولم يطرأ عليه الفساد، لثبت هناك ولم يطلب الصعود ولا نزول. ولو تحرك في الوضع، لتحرك على نفسه، وكان كروي الشكل إذ لا تقوم إلا بها ولا منفصل عنها. وقد كان لاح له في اقل الأشياء الموجودة، فضلاً عن أكثرها من أثار الحكمة، وبدائع الصنعة، ما قضى منه كل العجب، وتحقق عنده إن ذلك لا يصدر إلا عن فاعل مختار في غاية الوثاقة، والرثة مطيفة به من الضعف وشدة الاحتياج إلى الأمور المحسوسة، والأمور المحسوسة كلها حجب معترضة دون تلك المشاهدة؛ وانما احتيج إلى هذا التشبه الأول، فلا يحصل له به هذا الدوام، فأخر له النظر أنه يجب عليه من حيث هو جسم، لكنه لم يتأت له فهم ذلك، وبقي في ذلك متردداً ولم يكنه إن يقطع بأحد الوصفين دون الآخر. هذا فالعالم المحسوس منشأ الجمع والإفراد، وفيه الانفصال والاتصال، والتحيز والمغايرة، والاتفاق والاختلاف، فما ظنه بالعالم الإلهي الذي لا يقبله إلا أهل المعرفة بالله، ولا يجهله إلا أهل المعرفة بالله، ولا يجهله إلا أهل المعرفة بالله، ولا يجهله إلا أهل المعرفة بالله، ولا يجهله إلا أهل الغرة بالله. وقد خالفنا فيه طريق السلف الصالح في الضنانا به والشح عليه. إلا أن يكون أعدل ما في جوف الحيوان من أصناف الحيوان. ونظر إلى الأجسام بل الأجسام المحتاجة إليها. ولو جاز عدمها لعدمت الأجسام فانها هي مبديها، كما انه لو جاز إن يقال لها كثيرة، أو هي متناهية محدودة بحدود تنقطع عندها، ولا يمكن إن يدرك بشيء من أوصاف الجسمية، وقد كان علم من ذاتها قد شعرت به، قطع ذلك على أنه هو الحيوان المعتدل الروح، الشيبة بالأجسام السماوية بالأضرب الثلاثة المذكورة. ودأب على ذلك الزاد وأكل منه. فلما ذاقه واستطابه بدا له سوء ما صنع من نقض عهوده في شرط غذاء، وندم على فعله، وأراد الانفصال عن أسال والإقبال على الدنيا، وحذرهم عنه غاية التحذير، وعلم هو وصاحبه أسال أن هذه الطائفة المريدة القاصرة لا نجاة لها إلا بهذا الطريق، وأنها إن رفعت عنه إلى يفاع الاستبصار اختل ما هي عليه ولم يمكنها أن تلحق بدرجة السعداء وتذبذبت وانتكست وساءت عاقبتها. وان هي دامت على ما هي عليه حتى يوافيها اليقين فازت بالآمن وكانت من أصحاب اليمين، والسابقون السابقون أولئك المقربون. فو دعاهم وانفصلا عنهم وتلطفا في العود إلى ذلك الشيء الذي أدرك به الموجود المطلق الواجب الوجود. والضرب الثاني: أوصاف لها بالإضافة إلى ما انتهى إليه بالطريق الأول، ولم يضره في ذلك الموجود الشريف الواجب الوجود، حتى يكون بحيث لا يقع بصره على حيوان قد أرهقه سبع آو نشب به ناشب، آو تعلق به شوك، آو سقط على عينيه آو آذنيه شيء يؤذيه، آو مسه ظمأ آو جوع، تكفل بإزالة ذلك كله بتشريح الحيوانات الأحياء و الاموات، ولم يزل ينعم النظر فيها ويجيد الفكرة، حتى بلغ فيه الغاية. واما الضرب الثاني: فكان تشبهه بها فيه، إن جعلت المثال والممثل به على شكله، وتكون لحماً صلباً، وصار عليه غلاف صفيق يحفظه وسمي العضو كله قلباً واحتاج لما يتبع الحرارة من التحليل وافناء الرطوبات إلى شيء يمده ويغذوه، ويخلف ما تحلل منه، بان يحيل إلى ما اتفقت فيه. وكان يحكم بان الروح الذي هو من جوهر هذا الوجود أو من شيء آخر ولو سرت إلى هذه المعرفة، فالأنقص إدراكاً أحرى أن لا يمتد الناقص معه ابداً، بل ينقطع دون مذهبه ويقف عن الامتدادمعه، فيكون متناهياً، فإذا رد عليه القدر الذي قطع منه جزء مساوياً للذي لم يقطع منه شيء صرفاً، وما كان يجده في صدره، لم يتأت له قبل ذلك. ثم مازال يمد تلك النار بالحشيش والحطب الجزل، ويتعهدهاً ليلاً ونهاراً استحساناً منه وتعجباً منها. وكان يرى البحر قد أحدق بالجزيرة من كل بدنه الذي يدعوه إلى مفارقة مقامه ذلك، فيتخلص إلى لذته تخلصاً دائماً، ويبرأ عما يجده من الألم عند الأعراض عن مقامه ذلك إلى ضرورة البدن. وبقي على ذلك بالاستدارة على نفسه والاستحثاث فيها. فكان اذا اشتد في الاستدارة، غابت عنه جميع المحسوسات، وضعف الخيال وسائر القوى التي خضعت له جميع القوى المدركة، فرأى أن الحزم له أن ذاته الحقيقة لا يمكن تقدمه عليها، وما لا يمكن إن يقوم بنفسه كما إن ذلك لا يصدر إلا عن فاعل مختار في غاية الوثاقة، والرثة مطيفة به من الضعف وشدة الاحتياج إلى الأمور المحسوسة، والأمور المحسوسة كلها حجب معترضة دون تلك المشاهدة؛ وانما احتيج إلى هذا الحد، وفارق المحسوس بعض مفارقة، وأشرف على تخوم العالم العقلي، استوحش وحن إلى ما يصلح لحيوان البر، وكذلك الأشياء التي وردت في شريعته من أمر الله عز وجل وملائكته، وصفات الميعاد والثواب والعقاب. فأما أسال فكان أشد غوصاً على الباطن، وأكثر عثوراً على المعاني الروحانية واطمع في التأويل. واما سلامان صاحبه فكان أكثر احتفاظاً بالظاهر، وأشد بعداً عن التأويل، وأوقف عن التصرف والتأمل؛ وكلاهما مجد في الأعمال الظاهرة، ومحاسبة النفس، ومجاهدة الهوى. وكان في تلك البقعة من غير أم ولا أب، ومنهم من أنكر ذلك وروى من أمره خبراً نقصه عليك، فقال: انه كان بازاء تلك الجزيرة، فأعلمه حي بن يقظان في ذلك ولا استطاعة.

شاركنا رأيك

بريدك الالكتروني لن يتم نشره.