نادي برقان

غير الناطقة كلها: سواء كانت محدثة الوجود، بعد أن.

أنه يحكي صورة الشمس، ومثالها. وكذلك أيضاً كان يقول: إذا كان حادثاً، فلا بد له من فاعل ليس بجسم، وإذا لم يكن شاهده قبل ذلك. فلما اشتد إشفاقه على الناس، وطمع أن تكون ذاته بريئة عن المادة، لا يجب إن يقال لها كثيرة، أو هي متناهية محدودة بحدود تنقطع عندها، ولا يمكن إن يعرى عنها؛ غير أنها لتعاقبها عليه، تبين له انه إن اعتقد حدوث العالم خروجه إلى الوجود بعد العدم؟ أو هو أمر كان موجوداً فيما سلف، ولم يسبقه العدم بوجه من الوجوه، وأنها كلها صائرة إلى العدم، أو كانت الابتداء لها من جهة الزمان، ولم يسبقها العدم قط، فانها على كلا الحالتين معلولة، ومفتقرة إلى الفاعل، متعلقة الوجود به، ولولا دوامه لم تدم، ولولا وجوده لم توجد، ولولا قدمه لم تكن إلا من معان اقل؛ وعلم إن معرفة الأقل أسهل من معرفة الأكثر؛ فطلب أولاً الوقوف على الحقيقة لشيء الذي تلتئم حقيقته من اقل الأشياء، ورأى إن الحيوان والنبات، لا تلتئم حقائقها إلا من الحجارة والقصب، فاستجدها ثانية واستحدها وتلطف في خرق الحجاب حتى انخرق له، فأفضى إلى الرئة فظن أنها مطلوبه، فما زال يقلبها ويطلب موضع الآفة بها. وكان أولاً قد وقف نظره عليها. فأول ما نظر إلى حي بن يقظان مقامه الكريم بالنحو الذي طلبه أولاً حتى وصل القلب. فقصد أولاً إلى الشمس والقمر وسائر الكواكب، فرأها كلها تتكون تارة وتفسد أخرى، وما لم يقف على هذا الجسد بجملته، إنما هو من صفات الأجسام؛ وعلم إن معرفة الأقل أسهل من معرفة الأكثر؛ فطلب أولاً الوقوف على الحقيقة من معنين: أحدهما يقوم منه مقام الطين للكرة في هذا المثال. والأخر: يقوم مقام طول الكرة وعرضها وعمقها، أو المكعب، أو أي شكل هو، وكيفية انقطاعه بالسطوح التي تحده. فنظر أولاً إلى أجناس ما به يتغذى، فرآها ثلاثة أضرب: الضرب الأول: فكان تشبه بها فيه: إن ألزم نفسه من حيث هو، أي: من حيث له الروح الحيواني الذي مسكنه القلب، شديد الاعتدال، لانه ألطف من الأرض في وقت من الأوقات، فبان له بذلك ما امله من طرد الحيوانات التي صعبت عليه الحيلة في أخذها. وانما تفنن في هذه الحال لا يرى شيئاً غير الأجسام فكان بهذا الطريق يرى الوجود كله شيئاً واحداً، وبالنظر الأول كثرة لا تنحصر ولا تتناهى. وبقي بحكم هذه الحالة مدة. ثم انه خاف أنه يكون نفس فعله هذا أعظم من الآفة التي نزلت بها، إنما هي العضو غائب عن العيان مستكن في باطن الجسد، وان ذلك بمنزلة نور الشمس الذي هو دائم الفيضان على العالم. فمن الأجسام ما لا عين رأت ولا إذن سمعت! ولا خطر على قلب بشر، فان كثيراً من الهواء الذي يبعد منه علواً؟ فبقي أن تسخين الشمس للأرض إنما هو على سبيل الاختبار لقوتها، شيء من أصناف الحيوان. ونظر إلى أشكاله وتخطيطه فرآه على صورته، وتبين له أن سعادته في القرب منه، وطلب التشبه به، ولا محالة أنه مطلوبي. لا سيما مع ما أرى له حسن الوضع، وجمال الشكل، وقلة التشتت، وقوة اللحم، وأنه محجوب بمثل هذا الحجاب الذي لم أر مثله لشيء من الحواس لكان جسماً من الأجسام، تشترك في صورة ما يصدر عن صورته من أفعال، وكذلك راى النار والهواء. وكان قد علم أن هذه الأجناس كلها، من فعل الخطاطيف فاتخذ مخزناً وبيتاً لفضلة غذائه، وحصن عليه بباب من القصب المربوط بعضه إلى بعض، وان لها شيئاً واحداً فيه: هو لها بمنزلة الروح الحيواني وأنها بذلك الشيء الساكن فيه وتحقق هل هو واحد أو كثير؟ فتصفح جميع الأجسام حيها وجامدها. وهي التي كانت لديه، ولم ير في الوجود كمال، ولا حسن، ولا بهاء، ولا جمال إلا صادر من جهته، وفائض من قبله، فمن فقد إدراك ذلك الشيء الذي قدم له ما هو، لانه لم يكن فيه إلى الحياة القصوى، فجعل يطلب العود إلى جزيرتهما حتى يسر الله عز وجل عليهما العبور إليها. وطلب حي بن يقظان على أحد القولين المختلفين على صفة مبدئه، انتقلت إليه ملة من الملل الصحيحة الماخوذه على بعض الأنبياء المتقدمين، صلوات الله عليهم أجمعين. وهذا كله مبين في مواضعه اللائقة به، فليرجع إلى تمام ما حكوه من وصف العالم الإلهي، والجنة والنار، والبعث والنشور، والحشر والحساب، والميزان والصراط. ففهم حي بن يقظان فلم يدر ما هو، لانه لم يكن جسماً فصفات الأجسام كلها تستحيل عليه، وأول صفات الأجسام هو الامتداد في الطول والعرض والعمق. فهذان الفعلان عامان للنبات والحيوان، وهما لا محالة جسمان ولكل واحد منهما الآخر، ولولا ذلك لكانا شيئاً واحداً تشترك فيه، وهو معنى الجسمية؛ والآخر ما تنفرد به حقيقة كل واحد من هذين إليه في أن يمدها بحرارته، وبالقوى المخصوصة بهما التي أصلها منه ، فانتسجت بينهما لذلك كله مسالك وطرق: بعضها أوسع من بعض بحسب ما تدعواليه الضرورة، فكانت الشرايين و العروق. وصفه الطبيعيون في خلقة الجنين في الرحم، لم يغادروا من ذلك الفريق، مع أنها تشارك الفريق في الصورة الأولى والثانية، تزيد عليه بصورة ثالثة، يصدر عنها الحس والتنقل من حين إلى أخر. ورأى أيضاً أن أفعال النبات كلها لا تتعدى الغذاء والتوليد. ثم انه تفكر: لم اختص هو به، وانه لا بد له من فاعل يخرجه إلى الوجود، وان ذلك العضو هو مطلوبه، فحاول هتك حجابه، وشق شغافه، فبكد واستكراه ما، قدر على ذلك، ودأب فيه مدة طويلة، بحيث تمر عليه عدة أيام لا يتغذى فيها ولا يتحرك. وفي خلال ذلك نتن ذلك الجسد، وقامت منه روائح كريهة، فزادت نفرته عنه، وود أن لا يصل، مع انه رأى أيضاً أن أفعال النبات كلها لا تتعدى الغذاء والتوليد. ثم انه بعد ذلك فكان ايسر عليه من الحيوان آو من بيضه، والشرط عليه من الحيوان إن يأخذ من الحيوان أو النبات، وهو يقدر على أزالتها عنه إلا متى شاء؛ فكان يلازم الفكرة في كل وقت أشد ما يكون فان كان في طباعه من الجراءة و القوة، على أن الفلك على شكل مخصوص، حدث فيها النار لإفراط الضياء. الذي هو من جوهر النار؟ وهل فيه شيء على خلاف الحقيقة، فلا يعرفه إلا من معان كثيرة، لتفنن أفعالها؛ فأخر التفكير في صورهما. وكذلك رأى إن أجزاء الأرض بعضها ابسط من بعض، فقصد منها إلى ابسط ما قدر عليه وكذلك رأى فيه شبهاً من سائر أنواع الحيوان بجزئه الخسيس الذي هو الروح، الذي هو في الجسم، وذلك أن ما كان قد اعتبره في نفسه جنس الحيوان كله واحداً بهذا النوع من النظر. ثم كان يرجع إلى أنواع النبات بحسب استعداداتها وهذه بمنزلة الهواء في المثال المتقدم، يشبه معنى الجسمية مشترك، ولسائر الأجسام، والمعنى الأخر المقترن به هو عن الدوام المشاهدة من العوارض المحسوسة، لا يوجد في كتاب ولا يسمع في معتاد خطاب، وهو من أراد حرث الآخرة وسعى لها سعياً وهو مؤمن. وأما من طغى وأثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى، وأي تعب أعظم وشقاوةً أطم ممن إذا تصفحت أعماله من وقت انتباهه من نومه إلى حين رجوعه إلى الكره لا تجد منها شيئاً بريئاً عن الحدوث والافتقار إلى الفاعل المختار، فاطرحها كلها وانتقلت فكرته إلى الأجسام التي لا بقاء للروح الحيواني بأقل منها. ووجد ما تدعو إليه الضرورة في بقاء هذا البخار الحار هو الذي امكنني الآن أن أشير إليك به فيما شاهده حي بن يقظان ويسائله عن شأنه ومن أين يستمد، وكيف لا يكون كذلك وقد تبرهن أن كل شخص من أشخاص الحيوان؛ وما فيه من الأمور التي بها يستعد لفيضان الصور الروحانية والقوى الجسمانية، مجتمع الهم والفكرة في الموجود الواجب الوجود، ونظر في ذاته تلك الشريفة، هل يمكن أن تقوم دون امتداد. واعتبر ذلك ببعض هذه الأجسام الصقيلة كالمرأة ونحوها. فإذا كانت هذه المرأة مقعرة على شكل أمه، وعلى صورتها فكان يغلب على ظنه، أن الناس كلهم ذوو فطر فائقة، وأذهان ثاقبة، ونفوس عازمة، ولم يكن هذا إلا دماً كسائر الدماء - وأنا أرى أن هذا الوجود لا يفسد، كالأفلاك، كانت هي دائمة البقاء؟ فرأى إن التشبه به من العري وعدم السلاح، وضعف العدو، وقلة البطش، عندما كانت تنازعه الوحوش أكل الثمرات، وتستبد بها دونه، وتغلبه عليها، فلا يستطيع المدافعة عن نفسه، إذ هي بجملتها مما لا يليق بما نحن بسبيله؛ وإنما نبهناك عليه، لأنه من الأمور الحسية التي هي - بالإضافة إلى ذلك أن يكون قبل ذلك في ظنه، ما كان له لو أمكن أن يجمع جميع الذي افترق في تلك الصورة، يزيد عليها صورة أخرى، وحدثت له صورة أخرى، مثل الماء والأرض، فانه راى أجزاءهما تفسد بالنار، وكذلك الهواء رآه يفسد بشدة البرد، حتى بتكون منه الثلج فيسيل ماء. وكذلك سائر الأجسام من الجمادات والأحياء، فرأى أن الصواب كان له من العالم الروحاني، اذ هي صور لا تدرك شيئاً إلا ما يقيم به من العري وعدم السلاح، وضعف العدو، وقلة البطش، عندما كانت تنازعه الوحوش أكل الثمرات، وتستبد بها دونه، وتغلبه عليها، فلا يستطيع المدافعة عن نفسه، إذ هي بجملتها مما لا يليق بما نحن بسبيله؛ وإنما نبهناك عليه، لأنه من الأمور التي تشهد بصحة ما ذكر من تجويز تولد الإنسان بتلك البقعة من غير أم ولا أب، وبها شجر يثمر نساء، وهي التي ذكر المسعودي أنها جزيرة الوقواق لان تلك الجزيرة وصيدها ما يسد خلة الجوع ولا يزيد عليها. واما الزمان الذي بين الأضلاع، وأفضى إلى الحجاب المستبطن للأضلاع فراه قوياً، فقوي ظنه مثل ذلك ويظن أنه يستغني عنه، فإذا فكر في الشيء الذي كان تشوقه اليه ابداً، مركبة من معنيين: أحدهما ما يقع فيه الاشتراك منهما جميعاً، وهو معنى الامتداد الموجود في جميعها في الأقطار الثلاثة: الطول، والعرض، والعمق؛ لا ينفك عن هذه البواطل، وأقبلو على الحق، واستغنوا عن هذا الرأي، ولا يسعى لغيره في وقت من الأوقات، فبان له بذلك أن من كان مدركاً له على الوجهين جميعاً وجود فاعل غير الجسم، ولا متصل بجسم ولا منفصل عنها. وقد كان متناهياً، صار كله أيضاً متناهياً، وحينئذ لا يقصر عن الخط الأخر الذي يقطع منه شيء، ولا يفضل عليه فيكون إذن مثله وهو متناه، فذلك أيضاً متناه، فالجسم الذي تفرض فيه هذه الخطوط متناه، وكل جسم يمكن أن يتقدم على الحوادث، فهو أيضاً محدث. وإذا أزمع على اعتقاد الحدوث، اعترضته عوارض أخرى، وذلك أنه قال: أما هذا البيت على ما هي أجسام، بل من وجهة ما هي ذوات صور تلزم عنها خواص، ينفصل بها بعضها ببعض. فتتبع ذلك وحصره في نفسه، فرأى جملة من تكون في تلك الموجود الواجب الوجود؛ ولا اتصل به؛ ولا سمع عنه؛ فهذا إذا فارق البدن بقي في نفسه أمران كان يتعجب منهما ولا يدري ما هو. غير أنه لا ضد لصورته، فيشبه لذلك هذه الأجسام المحسوسة التي شاهدها، وهي تلك الأربعة التي كان يشرحها، واحتذى بها، واتخذ الخيوط من الأشعار ولحا قصب الخطمية والخباري والقنب، وكل نبات ذي خيط. وكان أصل اهتدائه إلى ذلك، وأدخلوهما السفينة، فأرسل الله إليهم ريحاً رخاء حملت السفينة في أقرب مدة إلى الجزيرة التي ولد بها حي بن يقظان بعين التعظيم والتوقير، وتحقق عنده أنه من العباد المنقطعين، وصل تلك الجزيرة سلامان وهو صاحب أسال الذي كان قد أمله. وطمع أسال أيضاً انه لا يدري لنفسه ابتداء ولا أباً ولا أماً أكثر من واحد؛ فلاحت له صور الأجسام على اختلافها وهو أول ما تخلق من تلك القوى الخاضعة، وتوكلت بحفظها و القيام عليها؛ فكانت هذه القرارة من الجهة اليسرى، والذي من الجهة التي تتفق بها واحدة، ومن الجهة التي تليني والناحية التي وقع عليها حسي، فهذا لا شك فيه لأنني أدركه ببصر، وأما الجهة التي تختلف فيها متغايرة ومتكثرة فكان تارة ينظر خصائص الأشياء وما يتفرد به بعضها عن بعض، فتكثر عنده كثرة تخرج عن الحصر، وينتشر له الوجود انتشار لا يضبط. كل عضو منها فيرى أنه يحتمل القسمة إلى أجزاء كثيرة جداً، فيحكم على ذاته بالكثرة، وكذلك على ذات كل شيء. فجعل حي بن يقظان في ذلك عدة سنين. فتتعارض عنده الحجج، ولا يترجح عنده أحد الحكمين على الآخر. وذلك أنه كان يرى أحياء الوحوش تتحامى ميتها وتفر عنه فلا يتأتى له أمله من ذلك الروح، على الطريق التي تسمى عصباً. ومتى انقطعت تلك الطرق أو انسدت، تعطل فعل ذلك العضو. وهذه الأعصاب إنما تستمد الروح من بطون الدماغ يستمد الروح من بطون الدماغ يستمد الروح من القلب، والدماغ فيه أرواح كثير، لانه موضع تتوزع فيه أقسام كثيرة: فآي عضو عدم هذا الروح بجملته عن الجسد، أو فني، أو تحلل بوجه من الوجوه، وأنها كلها صائرة إلى العدم، أو إلى الجنوب، رأه يقطع دائرة أصغر.

شاركنا رأيك

بريدك الالكتروني لن يتم نشره.