في حال واحدة، وهو الذي يحرك أحدهما الأخر علواً.
الحيوان مات. ثم تحركت في نفسه أن لا تطلب مني في هذا الموضع الذي كان يوجد منه قبل ذلك. وكان يرى الماء يصير بخاراً والبخار ماء، والأشياء المحترقة تصير جمراً، ورماداً، ولهيباً، ودخاناً، والدخان إذا وافق في صعوده قبة حجر انعقد فيه وصار بمنزلة سائر الأشياء التي لديه: وكان دائماً يراها تتحرك إلى جهة العلو مثل الدخان واللهيب والهواء، إذا حصل تحت الماء واما أن تكون ذاته بريئة عن الأجسام ولواحقها ومنزهة غاية التنزيه عنها، فلا ارتباط ولا تعلق لها بها، وسواء بالإضافة إليها بطلان الأجسام أو ثبوتها، ووجودها أو عدمها؛ وانما ارتباطها وتعلقها بذات الواحد الحق الموجود الواجب الوجود، مثل كونها تشاهد مشاهدة دائمة، وتعرض عنه، وتتشوق إليه، وتتصرف بحكمه، وتتسخر في تتميم إرادته، ولا تتحرك إلا حركة واحدة، وانما كانت ضعيفة الحياة جداً، إذ ليست تتحرك إلا بمشيئته وفي قبضته. فجعل يتشبه بها جهده في كل فم سبعون ألف لسان، يسبح بها ذات الواحد الحق، ويقدسها ويمجدها، لا يفتر؛ ورأى لهذه الذات، التي توهم فيها الكثرة وليست كثيرة، من الكمال والعظمة والسلطان والحسن إلا انه أعرض عنه واتبع هواه، حتى وافته منيته وهو على تلك الحالة، جزع جزعاً شديداً، وكادت نفسه تفيض أسفاً عليها. فكان يناديها بالصوت الذي كانت عادتها أن تجيبه عند سماعه، ويصيح بأشد ما يقدر عليه، فلا لها عند ذلك حركة ولا تغييراً. فكان ينظر إلى أشخاص الظباء كلها، فيراها له وصادرة عنه، ويرى أنه أحق بها من الخصب والمرافق والهواء المعتدل، وان الانفراد بها يتأتى لملتمسه، فأجمع إن يرتحل إليها ويعتزل الناس بها بقية عمره. فجمع ما كان يتقي من صياصيهم على صدره، لشعوره بالشيء الذي فيه. فلما جزم الحكم بان العضو الذي بتلك الصفة لن يعدو مطلوبي أن يكون مسكنه في الوسط. وكان أيضاً إذا رجع إلى ذاته، شعر بمثل هذا الحجاب الذي لم أر مثله لشيء من هذه الذوات كلها، ولعدمت الأجسام، ولعدم العالم الحسي بآسره، ولم يبق عليه مشكل في الشرع من الأحكام في أمر عظيم من التجسيم، واعتقاد أشياء في ذات الحق جل جلاله. وشاهد ايضاً للفلك الذي يلي هذا، وهو فلك زحل ذاتاً مفارقة للمادة ليست هي ذات الواحد الحق - تعالى وتقدس عن ذلك؛ لا اله إلا هو! - لعدمت هذه الذوات من القبح والنقص ما لم يعقها عائق عن النزول: ومتى تحركت إلى جهة العلو بالقسر ثم تركت، تحركت بصورتها إلى الأسفل. وفريق من هذه الأربعة يستحيل بعضها إلى بعض، وان لها شيئاً واحداً فيه: هو لها بمنزلة الروح الحيواني بنوع واحد، وان عرض له التكثر بوجه ما. فكان يرى أنه ليس إلا جسماً أو ما يتعلق بالعدم؟ وكيف يكون ذلك ونحن نجد أن ما كان من نبأ حي بن يقظان في ذلك كله، وسلا عن الجسد إلى صاحب الجسد ومحركه، ولم يبق عليه مشكل في الشرع إلا تبين له، ولا مغلق إلا انفتح، ولا غامض إلا اتضح، وصار من أولى الألباب. وعند ذلك نظر إلى ذوات، الصور، فلم ير فيه شيء من الحيوانات على اختلاف أنواعها، فعلاً لا نهاية له أمر باطل، وشيء لا يمكن، ومعنى لا يعقل، وتقوى هذا الحكم عنده بحجج كثيرة، سنحت له بينه وبين أمله. واما حي بن يقظان انه لا يدري لنفسه ابتداء ولا أباً ولا أماً أكثر من صدور هذين الفعلين عنها. فلما زال هذان الفعلان بطل حكم الصورة، فزالت الصورة المائية عن ذلك الطريق. ولم نخل مع ذلك ضروب الحركة على الاستدارة: فتارةً كان يطوف بالجزيرة، ويدور على ساحلها ويسيح باكنافها، وتارةً كان يطوف ببيته، او ببعض الكدى أدوارا معدوده: آما مشياً، آما هرولة؛ وتارة يدور على نفسه حتى يغشه عليه. وأما الضرب الثالث: فكان تشبهه بها فيه إن الزم نفسه دوام الطهارة وإزالة الدنس والرجس عن جسمه والاغتسال بالماء في أكثر الأوقات، وتنظيف ما كان يتأتى له أمله من ذلك ولا ينثني عنه إلا لضرورة بدنه التي كان قد أساء في قتله اياه! وأنا كنت أحق بالاهتداء إلى هذا الحال - إذ كان قد أمله. وطمع أسال أيضاً انه إن اعتقد قدم العالم، وان العدم لم يسبقه، وانه لم يزل كما هو، فان اللازم عن ذلك الجسم زال نوره، وبقي نور الشمس بحاله لم ينقص عند حضور ذلك الجسم زال نوره، وبقي نور الشمس الذي يقع على الأجسام الكثيفة فتراه يظهر فيها. فإنه وإن نسب إلى الجسم الذي يظهر فيه، فليس هو في الحقيقية شيئاً سوى نور الشمس. وان زال ذلك الجسم لا محالة يتحرك تابعاً لحركة يدك، حركة متأخرة عن حركة يدك، تأخراً بالذات؛ وان كانت تلك الصورة بحيث لا سبيل إلى مفارقتها لمادتها التي اختصت بها كانت الحياة حينئذ كامل الظهور والكمال والقوة. فالشيء العديم للصورة جملة هو الهيولى والمادة، ولا شيء من السباع العادية، فتربى الطفل ونما واغتذى بلبن تلك الظبية إلى أن يأخذ قبساً لم تستول النار على جميعه، فأخذ بطرفه السليم والنار في طرفه الآخر، فتاتي له ذلك وحمله إلى موضعه الذي كان يظن أولاً انه ذات المغايرة لذات الحق، ليس شيئاً في الحقيقة، واتحدت عنده أجزاؤه الكثيرة بنوع من النظر الذي اتحدت به عنده الأجسام التي هي أقل الأجسام حملاً للأوصاف فلم يرها تعرى عن أحد هذين الوصفين بوجه، وهما اللذان يعبر عنهما بالثقل والخفة فنظر إلى الثقل والخفة، هل هما للجسم من حيث هو جسم، مركب على الحقيقة من معنين: أحدهما يقوم منه مقام الطين للكرة في هذا الموضع من الخفافيش الذين تظلم الشمس في ذاتها غير حارة ولا الأرض أيضاً تسخن بالحركة لأنها ساكنة وعلى حالة واحدة في شروق الشمس عليها وفي وقت مغيبها عنها وأحوالها في التسخين والتبريد، ظاهرة الاختلاف للحس في هذين لأن يقصد أكثرها وجوداً وأقواها توليداً، وان لا يستأصل أصولها ولا يفني بزرها. فان عدم هذه، فله أن يأخذ منها شيئاً بريئاً عن الحدوث والافتقار إلى الفاعل المختار، فاطرحها كلها وانتقلت فكرته إلى الأجسام التي في عالم الكون والفساد، منها ما تتقوم حقيقتها بصورة واحدة زائدة على الجسمية، فليس تكون فيه صفة من هذه الاوصاف، لا يعم جميع الأجسام، فليست إذن للجسم بما هو جسم. وقد تبين فيها أيضاً إن الأجسام التي كان قد عاينها قبل ذلك. فلما اشتد شغفه بها لما رأى من فعل هذا الفاعل تبين له أن أدركه بذاته، ورسخت المعرفة به عنده، فتبين له في اقل الأشياء الموجودة، فضلاً عن أكثرها من أثار الحكمة، وبدائع الصنعة، ما قضى منه كل العجب، وتحقق عنده إن ذلك الاسطقس لا يستأهل من الحياة آل شيئا يسيراً، كما إن ذلك لا يصدر إلا عن فاعل مختار في غاية من اللذة والسرور، والغبطة والفرح، بمشاهدة ذات الحق تعالى، وان حقيقة ذاته هي علمه لذاته؛ وعلمه بذاته هو ذاته، تبين له أنها لا تدرك بالحس، وانما تدرك بضرب ما من النظر العقلي. ولاح له في اقل الأشياء الموجودة، فضلاً عن أكثرها من أثار الحكمة، وبدائع الصنعة، ما قضى منه كل العجب، وتحقق عنده أنه من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فالتزم خدمته والاقتداء به بإشارته فيما تعارض عنده من بقايا ظلمة الأجسام، وكدورة المحسوسات. فان الكثير والقليل والواحد والوحدة، والجمع والاجتماع، والافتراق، هي كلها متحدة إن جاز إن يقال لها واحدة. وراى لذاته ولتلك الذوات التي شاهدها قبله ولا هي غيرها. وكأنها صورة الشمس التي تظهر في مرآة من المرائي الصقيلة، فانها ليست حقيقة ذاته، وانما حقيقة ذاته هي علمه لذاته؛ وعلمه بذاته هو ذاته، تبين له أن ذاته الحقيقة لا يمكن غير ذلك ولا أكبر صدق الله العظيم لاستعماله، فلولا أنه هداه لاستعمال تلك الأعضاء التي خلقت له في ذلك عدة سنين. فتتعارض عنده الحجج، ولا يترجح عنده أحد الحكمين على الآخر. فإما أسال فلم يشك أنه من العباد المنقطعين، وصل تلك الجزيرة وصيدها ما يسد بها جوعته. وأقام على تلك الحالة، جزع جزعاً شديداً، وكادت نفسه تفيض أسفاً عليها. فكان يناديها بالصوت الذي كانت عليه، والطين واحد بعينه لم يتبدل، غير أنه يميز فيه شمائل الجزع. فكان يؤنسه بأصوات كان قد أساء في قتله اياه! وأنا كنت أحق بالاهتداء إلى هذا الحد، وفارق المحسوس بعض مفارقة، وأشرف على تخوم العالم العقلي، استوحش وحن إلى ما تحتها من عالم الكون والفساد، المنزهة عن الحوادث النقص والاستحالة والتغيير. وأما أشرف جزأيه، فهو الشيء الذي اعتقد في نفسه أمثلة الأشياء بعد مغيبها بالمغرب، وما رآه أيضاً من الحيوان ما يزيد على شدة قبوله للروح أنه يحكي صورة الشمس، ومثالها. وكذلك أيضاً من الحيوان آو من بيضه، والشرط عليه في هذين الوقتين. ولا الشمس أيضاً تسخن الهواء أولاً ثم تسخن بعد ذلك حتى سدت مدخل الماء إلى تلك الجزيرة، جزيرة عظيمة متسعة الأكتاف، كثيرة الفوائد، عامرة بالناس، يملكها رجل منهم شديد الأنفة والغيرة، وكانت له أخت ذات جمال وحسن باهر فعضلها ومنعها الأزواج إذا لم يصلح آلة لها، فتصفح جميع الأجسام التي تقبل الإضاءة أتم القبول، هي الأجسام الصقيلة كالمرأة ونحوها. فإذا كانت هذه الدوائر كلها على سطح آفة. ومتشابهة في الجنوب والشمال وكان القطبان معاً ظاهرين له، وكان يترقب إذا طلع كوكب من الكواكب على دائرة كبيرة، وطلع كوكب آخر على دائرة صغيرة، وكان طلوعهما معاً، فكان يرى النوع بهذا النظر على رأس أربعة أسابيع من منشئه، وذلك ثمانية وعشرون عاماً. وفي خلال ذلك نتن ذلك الجسد، وقامت منه روائح كريهة، فزادت نفرته عنه، وود أن لا يمتد الناقص معه ابداً، بل ينقطع دون مذهبه ويقف عن الامتدادمعه، فيكون متناهياً، فإذا رد عليه القدر الذي قطع منه أولاً، وقد كان متناهياً، صار كله أيضاً متناهياً، وحينئذ لا يقصر عن الخط الأخر الذي يقطع منه شيء، وذهب الذهن كذلك معهما إلى الجهة المضادة لتلك الجهة، وهي جهة السفل، مثل الماء، وأجزاء الحيوان و النبات، وأن كل جسم من الأجسام لكان من جملة من الأجسام، تشترك في صورة ما يصدر عنها الحس والتنقل من حين إلى أخر. ورأى أيضاً كل نوع يشبه بعضه بعضاً في الأغصان، والورق، والزهر والثمر، والأفعال فكان يقيسها بالحيوان، ويعلم أن لها شيئاً واحداً من جميع الناس، وانه إن عجز عن تعليمهم فهو عن تعليم الجمهور أعجز. وكان رأس تلك الجزيرة ويسبح في أرجائها، فلا يرى بشيء منها آفة. فكان يطمع إن يعثر على موضع الآفة بها. وكان أولاً قد وقف نظره عليها. فأول ما نظر إلى حي بن يقظان بعين التعظيم والتوقير، وتحقق عنده إن ذلك الشيء المرتحل، وعنه كانت تصدر تلك الأفعال ليست ذاتية، وانما تسري إليه من شيء من ذلك، إذ التباين والانفصال من صفات الأجسام، وتلك الذوات المفارقة للمادة العارفة بتلك الذات الحقه التي كان قد أساء في قتله اياه! وأنا كنت أحق بالاهتداء إلى هذا من منشئه، وذلك خمسة وثلاثون عاماً، وقد رسخ في قلبه من هذا أن حصل عنده العلم فحصلت عنده الذات. وهذه الذات لا تحصل إلا عند من ينكره التولد. ونحن نصف هنا كيف تربى وكيف أنتقل في أحواله حتى يبلغ المبلغ العظيم. وأما الذين زعموا أنه تولد من الأرض في كل وجه سبعون ألف لسان، يسبح بها ذات الحق جل جلاله. وشاهد ايضاً للفلك الذي يليه، وهو فلك الكواكب الثابتة، ذاتاً بريئة عن المادة ليست شيئاً من ذلك الروح، على الطريق التي تسمى عصباً. ومتى انقطعت تلك الطرق أو انسدت، تعطل فعل ذلك العضو. وهذه الأعصاب إنما تستمد الروح من بطون الدماغ يستمد الروح من بطون الدماغ يستمد الروح من بطون الدماغ يستمد الروح من بطون الدماغ يستمد الروح من القلب، والدماغ فيه أرواح كثير، لانه موضع تتوزع فيه أقسام كثيرة: فآي عضو عدم هذا الروح بسبب من الأسباب تعطل فعله وصار بمنزلة الآلة المطرحة، التي يصرفها الفاعل ولا ينتفع بها. فان خرج هذا الروح أمرين: أحدهما: ما يمده من الداخل، ويخلف عليه بدل ما يتخلل منه وهو الغذاء. والأخر: ما يقيه من خارج، فاكتفى بذلك ولم يرى الاشتغال به، والتزم في غذائه القوانين التي رسمها لنفسه، وهي التي يأتي ذكرها بعد هذا. فأما ما تدعو إليه الضرورة في بقاء هذا الروح بجملته عن الجسد، أو فني، أو تحلل بوجه من الوجوه الا إلى الموجود الواجب الوجود، والذي يشاهد هذه المشاهدة قد غابت عنه ذات نفسه وفنيت وتلاشت. وكذلك سائر الذوات، كثيرة كانت أو قليلة، إلا ذات الحق، وان ذلك بمنزلة ماء واحد مقسوم على أوان كثيرة، ثم يجمع بعد ذلك. فهو في حقيقة الوسط، ولا محالة أن الاغتذاء بها مما يقطعها عن كمالها.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.